
الفرق بين العقود الآجلة وعقود الخيارات: أدوات متشابهة في الشكل، مختلفة في الجوهر
.
رغم أن العقود الآجلة وعقود الخيارات تُصنفان ضمن فئة الأدوات المالية المشتقة، إلا أن الفرق بينهما أعمق بكثير مما يبدو في الظاهر. فكلاهما يُستخدم للتحوط أو المضاربة أو إدارة المخاطر، لكن لكل منهما بنية قانونية، وآلية تنفيذ، ومخاطر، وأهداف مختلفة، تجعل استخدام أحدهما دون الآخر قرارًا دقيقًا يخضع لمعادلات معقدة من حيث التوقيت، والسيولة، واستراتيجية المستثمر.
العقد الآجل، أو ما يُعرف بالـ Futures، هو اتفاق ملزم قانونيًا بين طرفين لشراء أو بيع أصل معين بسعر محدد في تاريخ مستقبلي محدد. هذا النوع من العقود يتم تداوله في بورصات منظمة، مثل بورصة شيكاغو التجارية (CME)، ويُستخدم عادة في أسواق السلع مثل النفط، الذهب، القمح، وكذلك المؤشرات والأسهم والعملات. ما يميز العقود الآجلة هو أنها تلزم كلا الطرفين بتنفيذ العقد عند تاريخ الانتهاء، بغض النظر عن سعر الأصل في السوق وقتها. هذا الالتزام يُضفي على السوق الآجل طابعًا صارمًا، ويُجبر المشاركين على توفير هامش تأميني يتم تعديله يوميًا حسب تقلبات السوق، وهي آلية تُعرف بالتسوية اليومية.
على الجانب الآخر، تأتي عقود الخيارات بمفهوم مختلف. فعقد الخيار يمنح حامله الحق، وليس الالتزام، في شراء أو بيع أصل معين عند سعر محدد خلال فترة زمنية معينة. وهذا يعني أن المشتري يتمتع بميزة الاختيار، بينما يتحمل البائع (الذي يكتب العقد) الالتزام الكامل في حال قرر المشتري تنفيذ العقد. يوجد نوعان رئيسيان من عقود الخيارات: خيار الشراء (Call) الذي يُستخدم للمراهنة على ارتفاع السعر، وخيار البيع (Put) الذي يُستخدم للتحوّط أو الربح من انخفاض السعر. يتم تداول هذه العقود في أسواق منظمة كذلك، مثل بورصة خيارات شيكاغو (CBOE)، وتُستخدم بشكل مكثف على الأسهم الفردية والمؤشرات.
الفرق الجوهري بين النوعين يكمن في طبيعة الالتزام. ففي العقود الآجلة، يُجبر كلا الطرفين على التنفيذ، مما يجعلها أكثر خطورة وأكثر تطلبًا من حيث إدارة رأس المال والهامش. أما في عقود الخيارات، فإن المخاطرة لدى المشتري محدودة بمقدار القسط المدفوع لشراء العقد، بينما يتحمل البائع مخاطرة غير محدودة نظريًا. لذلك فإن الخيارات تُعتبر أكثر مرونة وأقل مخاطرة بالنسبة للمشتري، لكنها أكثر تعقيدًا من حيث التسعير، حيث تدخل فيها مفاهيم مثل القيمة الزمنية والتقلب الضمني.
ومن جهة أخرى، تختلف طريقة التسوية بين العقود الآجلة والخيارات. فمعظم العقود الآجلة تُسوى فعليًا إما عن طريق التسليم الفعلي للأصل أو عن طريق تسوية نقدية، ويحدث ذلك تلقائيًا عند تاريخ الانتهاء. بينما خيارات الشراء والبيع لا تُمارس بالضرورة، بل تُترك لتنتهي بدون تنفيذ إذا لم تكن مربحة لحاملها. وهذا الفرق يجعل الخيارات أداة ذات طابع اختياري، في حين تبقى العقود الآجلة أداة تعاقدية صارمة.
التسعير أيضًا يُظهر تباينًا واضحًا بين النوعين. العقود الآجلة تُسعر على أساس الفروقات بين السعر الفوري وسعر الفائدة وتكلفة التخزين أو التمويل، وفق معادلات رياضية واضحة. أما الخيارات فتخضع لنموذج تسعير معقد يعتمد على عوامل عدة منها سعر الأصل، وسعر التنفيذ، وزمن الانتهاء، والتقلب الضمني، وسعر الفائدة، ويُعرف هذا النموذج باسم Black-Scholes. ولهذا فإن الخيارات تتطلب فهماً أعمق عند تحليلها أو اتخاذ قرارات مبنية عليها.
وعلى المستوى العملي، تُستخدم العقود الآجلة بكثافة من قبل المؤسسات الكبرى كوسيلة تحوّط ضد تقلبات أسعار السلع أو المؤشرات، وتُفضل عند الحاجة إلى التزام واضح وثابت. أما الخيارات فتمثل أداة مثالية للمستثمرين الأفراد أو مديري المحافظ الذين يبحثون عن حماية جزئية أو فرص مضاربة منخفضة المخاطرة.
في النهاية، يمكن القول إن العقود الآجلة والخيارات هما وجهان مختلفان لأداة واحدة: إدارة المخاطر. لكنّ الاختيار بينهما لا يُبنى على التشابه السطحي، بل على فهم عميق لطبيعة كل أداة، وهيكلها القانوني، وقدرتها على التكيف مع أهداف المستثمر واستراتيجياته. فبينما توفر العقود الآجلة التزامًا صارمًا وأداءً مباشرًا للسوق، تمنح الخيارات حرية أكبر، لكن مع تعقيد تقني يستلزم الحذر والخبرة.